وقفة مع تفسير آية :
قال تعالى :
( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى
وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا )
سورة النساء ( 77 )
أي:
{ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى }
أي: التمتع بلذات الدنيا وراحتها قليل،
فتحمل الأثقال في طاعة الله في المدة القصيرة مما
يسهل على النفوس ويخف عليها؛ لأنها إذا علمت
أن المشقة التي تنالها لا يطول لبثها هان عليها ذلك،
فكيف إذا وازنت بين الدنيا والآخرة، وأن الآخرة خير منها،
في ذاتها، ولذاتها وزمانها،
فذاتها -كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم
في الحديث الثابت عنه-
"أن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها".
ولذاتها صافية عن المكدرات، بل كل ما خطر بالبال
أو دار في الفكر من تصور لذة، فلذة الجنة فوق ذلك
كما قال تعالى:
{ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ }
وقال الله على لسان نبيه:
"أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت،
ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".
وأما لذات الدنيا فإنها مشوبة بأنواع التنغيص الذي
لو قوبل بين لذاتها وما يقترن بها من أنواع الآلام والهموم
والغموم، لم يكن لذلك نسبة بوجه من الوجوه.
وأما زمانها، فإن الدنيا منقضية، وعمر الإنسان بالنسبة
إلى الدنيا شيء يسير، وأما الآخرة فإنها دائمة النعيم
وأهلها خالدون فيها، فإذا فكّر العاقل في هاتين الدارين
وتصور حقيقتهما حق التصور، عرف ما هو أحق بالإيثار،
والسعي له والاجتهاد لطلبه، ولهذا قال:
{ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى }
أي: اتقى الشرك، وسائر المحرمات.
{ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا }
أي: فسعيكم للدار الآخرة ستجدونه كاملاً
موفرًا غير منقوص منه شيئًا.
--------
تفسير الشيخ السعدي رحمه الله
المفضلات